صقر قريش عبد الرحمن الداخل .. ️ونهاية عصر الولاة

 🌳🔴✒   تاريخ  الأندلس   🌿💧 ...  (24)


🌲دارَ  الزَمانُ  عَلى دارا  وَ قاتِلِهِ

                              وَ أَمَّ  كِسرى  ؛ فَما  آواهُ  إِيوانُ

-------------------------------------------------------------------

🚩 صقر قريش عبد الرحمن الداخل ..  ️ونهاية عصر الولاة  

-------------------------------------------------------------------

🔹️ ملخص الفقرة السابقة : 




️ بعد وفاة ثوابة بن سلامة العاملي سنة (129ه/ 746م) عمت الأندلس وإفريقية الفوضى والاضطرابات ، بسبب النزاع على حكم الأندلس ، وضعف بني أمية في المشرق، وتعاظم أمر دعاة المذهب الخارجي في جميع أنحاء الدولة الأموية ؛ وظهور أمر دعاة بني العباس .


 بقيت الأندلس بعد وفاة ثوابة قرابة أربعة أشهر بلا وال ؛ فاتفقت الجماعة في الأندلس على تعيين عبد الرحمن بن كثير اللخمي ؛ ليدير الأمور بصورة مؤقتة .


وقد تنازع على الولاية  كل من : عمرو بن ثوابة بن سلامة العاملي ابن الوالي المتوفي، و شخص آخر يدعى يحيى بن حريث، من زعماء قبيلة جذام اليمينة .


وعلى الرغم من قدرة الصميل بن حاتم إلا أنه لم أنه يعرض نفسه واليا لحكم الأندلس ،  فقد كان ذكيا ، وعلى قدر كبير من الحيطة والحذر وكان الصميل مصمما في قرارة نفسه على أن لا يسلم أمر الأندلس لأحد المتنافسين عليها، أي (عمرو بن ثوابة ويحيي بن حريث)


بدأ الصميل بن حاتم يبحث عن وال سهل الانقياد، وترضى به جميع الأحزاب القيسية واليمنية، و يتمكن من توجيهه وتحريكه ، فهداه التفكير إلى اختيار يوسف بن عبد الرحمن الفهري زعيم الفهريين في الأندلس ..


وتم صياغة اتفاق بسيط :  أن يكون أمر الأندلس مداولة بين المضرية واليمنية، بحيث تكون الولاية سنة لكل منهما ...


و قدم المضرية يوسف الفهري ليكون واليا على الأندلس وكان ذلك في سنة (129ه/ 746م) و اتفقوا على أن يعطى منافسه يحيى بن حريث كورة ريه، فتركت له طعمة. 


كان يوسف الفهري شيخا طاعنا مسنا، لا يشكل خطرا على الصميل و أتباعه، بالإضافة إلى كونه فهريا من قريش، وهو من بيت عريق من سلالة عقبة بن نافع الفهري، رضي به

يحيى بن حريث، ورضيت به القبائل في الأندلس ؛ وكان خاتمة ولاة الأندلس .


وكان الصميل بن حاتم هو الحاكم الفعلي، والوزير في ولاية

يوسف الفهري 


️بعد أن هدأت الأحوال في الأندلس، واستقرت أمورها تقريبا، أخذ الصميل بن حاتم يعمل على محاربة القحطانية اليمنية والتضييق عليهم ، خاصة بعد عزل يحيى بن حريث عن إمارة كورة رية .


انقضى العام الذي تولى فيه يوسف الفهري القيسي الولاية، فجاء اليمنيون لموعد ولايتهم على حسب ما تم الاتفاق عليه، فرفض الصميل ذلك على الرغم من استعداد يوسف الفهري للتنازل عن الولاية، وبدأ يستعد للقتال  .


اتصل ابن حريث بعد عزله عن كورة ريه بأبي الخطار للتحالف معه فكاتبه، وقال له أبو الخطار : "أنا الأمير المخلوع ! فأنا أقوم بالأمر " فقال له ابن حریث : بل أنا أقوم به لأن قومي

أكثر من قومك" فوافقت جذام على هذه الدعوة وقدموه لقيادتهم وبايعوه  ..


وهنا جاء اليمنيون من كل النواحي لينخرطوا تحت لواء ابن حريث، وفي المقابل تحالف العديد من اليمنية مع يوسف القهري والصميل بن حاتم ضد ابن حریث و نشب القتال بينهما ..


وبالقرب من مدينة شقندة ، إلتقى الطرفان القيسية واليمنية في معركة عنيفة، في سنة (130ه/ 747م) و حسمت المعركة لصالح الصميل ويوسف الفهري، وبعد يوم كامل من القتال الشديد، انتصر اتباعهما ووقع أبو الخطار أسيرا في أيديهما ..


 أما ابن حريث فقد هرب من ساحة المعركة، واختبأ على مرأى من أبي الخطار تحت سرير الرحى في مكان بيع الخشب !!


 وحينما هم جند الصميل بقتل ابن الخطار ،  أحب أن يشاركه فيه حليفه ومحرضه يحيي بن حريث ، فقال: "ليس علي فوت- ولكن عندكم ابن السوداء ابن حريث ! فدل عليه، فأخرج، وقتلا جميعا " 


 واصبحت الأندلس، بعد معركة شقندة، تحت سيطرة ونفوذ يوسف الفهري والصميل  .


ووقع في يد يوسف الفهري والصميل عدد كبير من أسرى اليمنيين من أتباع أبي الخطار وابن حريث، فسار بهم الصميل وهم مكبلون بالقيود، وقعد لهم على باب جامع قرطبة  فنصب نفسه قاضيا وجلادا في آن واحد، ...


وأخذ على عاتقه عبء محاكمة هؤلاء الأسري، فقضى بالحكم عليهم بالموت واحدا تلو الآخر، وأخذ يتلذذ في تطبيق هذه العقوبة بقسوة ووحشية، 


 وعز ذلك على أبي العطاء شيخ قبيلة غطفان ، فنهاه عن الاستمرار في تطبيق هذه العقوبة، وهدده فانتهى  .


 واستبد الصميل بأمور الأندلس دون يوسف الفهري ،  فقرر  الأخير أن يعمل على إبعاده عن مركز إقامته،  للتخلص منه، فأرسله ليكون حاكما على مدينة سرقسطة في سنة (132ه/ 749م) وهي معقل شديد الكثافة اليمنية ؛ 


وقد كان يوسف الفهري يتوقع أن يشتبك الصميل مع اليمنية، في سرقسطة  فيتخلص منه ومن تدخلاته  .


وكان في قرطبة شاب من بني عدي بن عبد الدار يدعي عامر بن هاشم ، يکره یوسف الفهري لأنه عزله من منصبه في قيادة الجيش وقد شعر بأن الفرصة أصبحت سانحة للانتقام من يوسف الفهري وأعوانه، عن طريق جمع القبائل الناقمة على حكمه ...


 و قد أوهم عامر القرشي هذا ، أهالي الأندلس بأن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور (ت158ه/ 775م) ولاه حكم الأندلس، وأقام حصنا منيعا في الجهة الغربية من قرطبة .


أراد عامر القرشي أن يلتجئ إلى جهة آمنة يكون له فيها تأثير قبلي يحميه، فعلم أن إقليم سرقسطة الموجود تحت نفوذ الصميل يمتاز بكثرة اليمنية فيه ، فكتب إلى أحد زعماء اليمنية في سرقسطة، ويدعى الحباب بن رواحة بن عبد الله الزهري الكلابي ؛ معلما إياه بأن الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور كتب له سجلا عينه فيه واليا على الأندلس ...


وقد لاقت دعوته استحسانا من قبل الحباب بن رواحة الزهري فهب مع قومه معلنا وقوفه إلى جانبه ، وانضم إليهما اعداد عظيمة من اليمنية، وساروا بعد أن أتموا استعدادهم نحو سرقسطة لمحاصرة الصميل بن حاتم، والقضاء على نفوذ القيسية ..


وذهب عامر القرشي والحباب بن رواحة لسرقسطة، وحاصرا الصميل فيها،  وكاد الصميل أن يستسلم ، وقيل إنه أعلم يوسف الفهري بما هوملاق في سرقسطة من شدة الحصار والمعارك، فتقاعس عن إغاثته ؛.


وحينما شعر الصميل بتقاعس يوسف الفهري عن إغاثته، قرر الاستنجاد بقومه ، معلما إياهم بالشدة التي يلاقيها بسرقسطة ؛ ولما علم قومه بذلك اجتمعوا في مدينتي ألبيرة وجيان وقرروا المسير إلى سرقسطة لإغاثته وتفريج كربتة ..

وجمعوا معهم بعض القبائل وبعض الموالين لبني أمية ؛ وكان خروجهم لمساعدته في سنة (137ه/ 754)


كان هدف القيسية امداد الصميل، وفك حصاره، والقضاء على اليمنية هناك  ...  بينما  كان هدف موالي بني أمية من مساعدتهم له ضمان وقوفه إلى جانبهم في بناء الدولة الأموية ؛ التي سيعمل على تأسيسها وإحيائها آنذاك، الأمير عبد الرحمن بن معاوية ؛ الذي كان مقيما على شاطئ إفريقية عند البربر من قبيلة نفزة ؛ بعد فراره من اصحاب الرايات السود جند بني العباس ..


 وبينما كان هذا الجمع يسير لفك حصاره، ولدى وصولهم إلى واد يقال له وادي طليطلة، علموا بأن الحصار قد اشتد عليه وأنه أشرف على الهلاك ، فقرروا أن يرسلوا منهم رسولا حاملا رسالة إليه، أكدوا له فيها أنهم قادمون لنجدته  ...

--------------------------------------------------------------------

وقالوا لهذا الرسول : "أدخل في جملة المحاربين للسور، فإذا قربت منه إرم بهذه الأحجار" وفي كل واحد منهما بيتان من الشعر هما:


ألا أبشـر بالســـــــلامة يـا جـــدار

                           أتــــاك الغــوث وانقطـع الحصــار

أتـتــك بنـــــــات أعــوج ملجمــات

                           عليهـا الأكرمـــون و هـــــم نــــزار 


وفعلاً نفذ الرسول ذلك، وحينما وقعت تلك الأحجار جيء بها إليه، فقرئت عليه لأنه كان أمياً، فلما سمع ما فيها قال: "أبشروا يا قوم فقد جاءكم الغوث، ورب الكعبة"


ومضى المـدد القادم لمساعدته في سرقسطة يجمع كل من يريد الانضمام لنجدته، فساروا ومعهم مـوالي بنـي أمية وكان في جملتهم بدر، مولى ورسول عبد الرحمن بن معاوية ؛ حيث أرسله عبد الرحمن بن معاوية للأندلس، وبعث معه خاتمه، ليكتب به عنه لكل من يريد الانضام لنصـرته وتأييـده

وكتبوا عنه للصميل .


وحينما اقتربت هذه الامدادات نحو سرقسطة، وتسامع اليمنيون المحاصـرون للصـميل بأنباء هذه الحشودات، خافوا أن تحل بهم الهزيمة إذا هم انتظروا حتى تقبل هذه القـوات نحـو.سرقسطة، فهربوا، وتخلص الصميل من هذا الحصار الذي دام قرابة سبعة أشهر بدون مشقه أو قتال، 


أقبل القيسيون، ومعهم موالي بني أمية، فاستقبلهم الصميل استقبال المنقذين الأبطـال ،وأعطاهم العطاء الجزيل، فأعطى خيارهم خمسين ديناراً، وأعطى غيرهم مـن النـاس عشـرة

عشرة ، وشقة خز (ثوب من الحرير) ..


 ثم أقبل الصميل  معهم إلى قرطبة، فلما فرغ الصميل وأصحابه من الاحتفال بالنصر، إنتهز زعماء الأمويين، الفرصة ليكلموا الصميل في أمر صاحبهم عبد الرحمن بن معاوية .


ولما خرج الصميل من سرقسطة دخلها الحباب فملكهـا ؛ ودخـل الصـميل قرطبة ، وولاه يوسف الفهري مدينة طليطلة وقد استمر حاكماً لها حتى قدوم الأميـر عبـد الرحمن بن معاوية (ت172هـ/ 788م) إلى الأندلس، وبقدومه انتهى عصر الولاة في الأندلس وبدأ فاتحة عصر جديد، ألا وهو عصر الامارة الأموية .


قامت ضد يوسف الفهري عدة ثورات، كان أغلبها ثورات يمنية، ومـن أبرزهـا تلـك الثورة التي قام بها عبد الرحمن بن علقمة اللخمي في أربونة، أقصى شمال شرق الأندلس .


وقد حاربه يوسف الفهري قليلاً وانتصر عليه، وقيل أنه تمكن منه وقتله ..


 وثار عليه ثـائر آخر رفض حكمه، وسعى للخلاص منه، يدعى عروة وقيل عذرة، في مدينة باجة*  عـرف بالذمي، لأنه استعان بأهل الذمة ضده ..


 وأراد يوسف أن يقضي على ثورته، فوجه لمحاربته قائداً من قادته، يقال له عامر بن عمرو الذي تنسب إليه مقبرة عامر في قرطبة فلم يتمكن عامر من قمع هذه الثورة فتوجه يوسف بنفسه على رأس جيش وتمكن من قتل عذرة الذمي .

--------------------------------------------------------------------


🔹 ️انتهى عصر الولاة على يد الامير عبد الرحمن بن معاوية بإقامة الدولة الأمويـة فـي الأندلس، وقد دار بينه وبين آخر ولاة الأندلس مرحلة طويلة من النزاع لأنه دخل الأندلس وهي تحت حكم يوسف الفهري (ت142هـ/ 759م) والصميل بـن حـاتم (ت142هـ 759م) .


استمرت الدولة الأموية قائمة في المشرق حتى سنة(132هـ/ 749م) اذ حلت محلهـا الدولـة.العباسية  التي تتبعت فلول الامويين الهاربين من الزحف العباسي بالقتل والسبي، حتى أوقعوا بهم هزيمة نكراء على نهر الزاب، احد فروع نهر دجلة .


 وبعد هذه المعركـة زالـت الدولـة الأموية في المشرق من الوجود ، ولم ينج من المذابح العباسية ضد الأمـويين سـوى افـراد قلائل، كان من بينهم عبد الرحمن بن معاوية الذي نحن بصدد الحديث عنه ..


وقد هرب عبد الرحمن من مذابح العباسيين طريداً من قرية إلى قرية ومعه خادمه بدر، طالبين السلامة من ملاحقـة العباسيين ؛ فوصل إلى موضع قرب الفرات ومن هناك انتقل إلى فلسطين ومنها إلى إفريقية وفيها استقر عند اخواله من بني نفزة .


وحينما شعر بالأمان، بدأ يدرس امكانية الوصول إلى الأندلس، وتأسيس ملك للأمـويين فيها، خاصة حينما علم بالحروب والفتن فيها، وحينما علم بوجود عدد من موالي بني أمية هناك تقيمون في مدينتي ألبيرة وجيان، وهما جندا دمشق وقنسرين .


 وعلم عبد الرحمن أن هذه الجماعة الأموية بحاجة إلى قائد قوي الشخصية وشجاع، قادر على جمعهم وإدارتهم، ففكر بـأن يبعـث.مولاه بدراً إلى موالي بني أمية وأتباعهم الموجودين في الأندلس وطلب منه أن يحدثهم عنه ..


وقيل في ذلك : "وبعث بدراً مولاه إلى من بالأندلس من موالي المروانيين وأشياعهم، فاجتمع بهم،.وبثوا له في الأندلس دعوة ونشروا له ذكرا" 


وفعلاً دخل بدر الأندلس، فوصل إلى ساحل البيرة، والتقى هناك بعبيد الله بـن عثمـان وعبد الله بن خالد *  وكان ذلك في أوآخر عام (136هـ/ 753م) وكتب له وصية،..


 ويبدو أنه عرض فيها على موالي بني أمية الدخول إلى الأندلس، ليجمع كلمتهم بعد تفرقهـا، ويعيـد أمجاد ملك بني أمية من جديد بعد اندثاره، وعرض عليهم أن يكون مرشحاً للولاية علـيـهم فـي الأندلس .


ولم يجد صعوبـة في اقناعهم بخطتـه، فوافقوا عليها، وعاهـدوا بدراً على أن يجعلـوا هذا الأمر سـرا وعلى أن يحدثوا به الصميل بن حاتم بعد فراغـه من قمـع الفـتـن فـي

الأندلس ؛ لأن قدومه تزامن مع ما كان فيها من الفتنة بين القيسية واليمنيــة في سنة(137هـ/ 754م) ..


وكان متزامنا أيضاً مع ثورة الحباب بن رواحة وعامر بن عمرو العبدري في منطقـة سررقسطة اللذان حاصرا الصميل ابن حاتم فيها وشدوا عليه الحصار كما ذكرنا، فاضـطر الصميل إلى استدعاء قومه في جند قنسرين وجند دمشق، وفعلا هبوا لنجدته يساعدهم ثلاثـون فارساً من موالي بني أمية وكان خروجهم لمساعدته سنة (137هـ/ 754م) ..


 أراد موالي بني أمية من مساعدتهم له في محنته ضمان وقوفه إلى جانب عبـد الـرحمن بـن معاوية في مشروعه المقبل وبعد مساعدة الصميل بن حـاتم، وفـك الحصـار عنـه فـي.سرقسطة، أطلعه موالي بني أمية على قصة ابن معاوية، وعرضوا عليه خادمه بـدراً، فأحسـن معاملته واستقباله .


 وقد قبل دعوة الأمويين له بشأن عبد الرحمن بن معاوية على ما يبـدو ، لأنه اعتبره شاباً طريداً وشريداً لا يوجد له أية طموحات سياسية فيما يتعلق بالسـلطان، ولـيس ، لديه أي هدف من طلبه اللجوء للأندلس سوى الحماية والأمان من مذابح العباسيين .


وقد دار في خلده أيضا أن انضمام عبد الرحمن بن معاوية، سليل البيت الأموي المندثر إلى الصميل ابن حاتم أو اتحاده معه، يعني زيادة قوة القيسية، وإمعانا منه بالتفكير في الأمر طلب من رسل بنـي أمية أن يمهلوه بعض الوقت يروي فيها أمره .


وأثناء عودته من سرقسطة، وحينما استقر في قرطبة بدأ يوسف الفهري يشعر من جديد.بخطر الصميل بن حاتم وتدخلاته، والح عليه بضرورة العودة إلى ثغر سرقسـطة، لأن معظـم اليمانية قد انتهزوا فرصة خروجه منها، واستولوا عليها بقيادة عامر القرشـي، وابنـه وهـب والحباب بن رواحة، وتحصنوا بها معلنين خروجهم على سلطان يوسف الفهري والصميل بـن حاتم ..


وأمام إلحاح يوسف الفهري أخذ الصميل يماطل، لأنه أدرك أنه لا يريـد سرقسطة، ولا يهمه أمرها، ولكنه يريد التخلص منه وإبعاده عن قرطبة .


كان يوسف الفهري، وخصوصاً بعد زوال دولة بني أمية في المشرق، يعتبر موالي بني أمية.الموجودين في الأندلس مواليه هو ويقول  "موالينا" ..


ولما يئس من امكانيـة إرسـال الصـميل إلـى سرقسطة بعث إلى رؤساء بني أمية طالباً منهم التجمع والمسير نحو سرقسطة "لإخراج عـامر والحباب وسائر اليمنية منها ؛ فتلكأ الأمويون لأنهم لم يكونوا راغبين في هذا المسير ولكن لم

يستطيعوا الرفض فتذرع رؤساؤهم بأنهم متعبون وأنهم راجعون لتوهم من غزوة مع الصـميل وأن الشتاء قد أتعبهم ونال منهم .


وقد قصدهم يوسف الفهري فأعطـاهم مبلـغ ألـف دينـار

ليجهزوا أنفسهم، فقالوا له أن هذا المبلغ قليل محاولين استغلاله فرفض إعطاءهم أكثـر ولكـن قرروا أن يعملوا على استخدام هذا المبلغ في خدمة دعوتهم .


وحينما اطمأن يوسف الفهري إلى أن موالي بني أمية معه، وأنهم سيلحقون به، رحل متجها إلى سرقسطة في عام (137هـ/ 754م) وخرج معه الصميل، فلما بلغ جيان جاءه بعض الجنود، واستراح وأخـذ ينتظر قدوم موالي بني أمية، ...


وحينما استبطأهم استدعى أحد زعمائهم، ويدعى أبا عثمان عبيـد.الله بن عثمان، وسأله عنهم طالباً منه تفسيراً لعدم قدومهم، فأكد له أنهم قادمون، وسيلتقون بـه.قبل وصوله إلى مدينة طليطلة، وإنما سبب تأخيرهم يعود إلى أنهم ينتظرون فقط.موسم الشـعير ليتقووا على الرحيل، فلم يشك يوسف في ذلك وطلب منه أن يعود ويلح على موالي بنـي أمية بالإسراع .


 ويبدو أن عبيد الله هذا لم يذهب إلى مدينة البيرة، بل عرج على الصـميل فـي مؤخرة الجيش مذكراً إياه بأمر عبد الرحمن بن معاوية، ويبدو أنه ولغاية هذه اللحظة، لم يكن فكـر في هذا الأمر ملياً، ولم يتمعن فيه، وتفاجأ من سؤال عبيد الله له فقال له: 


"أما إني مـا أغفلـت ذلك، ولقد رويت فيه، واستخرت الله وكتمت الأمر، فما شاورت فيه قريباً ولا بعيداً، وفاء بمـا

جعلته لكما من ستره، وقد رأيت أنه حقيق بنصري حقيق بالأمر، فاكتبا إليه على بركة الله، فإن أبي هذا الأصلع - يريد يوسف- على أن يتخلى عن هذا الأمر، أزوجه من أم موسى ابنته على أن يكون واحداً منا، فإن فعل قبلنا منه وعرفنا حقه ومنته ويده، وإن كره هان علينا أن نقرع صلعته بسيوفنا" .


خرج الأمويون من حضرته ودلائل الفرحة على وجوههم، وما كادوا يغادرون حضرته حتى فكر بالأمر جيداً، وعرف مخاطره، ويبدو أنه شعر أن قدوم عبد الرحمن إلى الأندلس يعني ضياع أمره، فقام وعجل من لدنه مرسلاً رسولا ليستوقف رسل بني أمية في الطريق ..


 ثم لحـق بهم راكباً على فرسه "الكوكب" ما عنى أن الأمر قد أفزعه وأخافه، فقال لرسل بني أمية :


"إني منذ أتيتماني برسول ابن معاوية وكتابه لم أزل في إدارة فاستحسنت ما دعوتما إليه، ثم كان مني إليكما ما كان، فلما فارقتكما رويت فيه، فوجدته من قوم لو بال أحدهم في هذه الجزيرة لغرقنـا نحن وأنتم في بوله"


فعلم موالي بني أمية أنه جاد في قوله ؛ وقفل هو عائداً وهو متيقن تمـام اليقين بأن أمر ابن معاوية قد انتهى ..


وأمام حديثه هذا عاد موالي بني أمية : "فانقطع رجاؤهم يومئذ من ربيعة ومضر ورجعوا إلى اليمن" وبدأ بنو أمية يفكرون بحليف آخر يمكنهم الاعتماد عليه في هذا الأمر بدلا مـن القيسية، وبما أنه يمثل القيسية فقد فكر موالي بني أمية بالاستعانة باليمنية الكلبية لاتخاذها حليفـاً يعرضون عليها أمر ابن معاوية  .


 وفي أثناء طريقهم عائدين من حضرته، لم يتركوا قبيلة يمنية مـروا عليها إلا وحدثوها بأمر عبد الرحمن صاحبهم، فحالفهم الحظ في ذلك حيث أن اليمنية نـاقمون على القيسية منذ وقعة شقندة بينهما، ومنذ فشل ثورتهم في سرقسطة، فكانوا ينتظرون الفرصـة المناسبة للانتقام من القيسية، فأعلنوا جميعهم استعدادهم للانضمام إلى دعوة الأمويين .


وما أن وصل موالي بني أمية مدينة ألبيرة حتى قرروا الإسراع فـي اسـتدعاء عبـد الرحمن بن معاوية قبل أن يفرغ يوسف الفهري والصميل من أمر سرقسطة .


وقد اختـار موالي بني أمية عدداً ، وأعطوهم بعض الأموال للإنفاق منها، وحتى يتم فـداء عبـد الرحمن بن معاوية من القبائل البربرية ..


وفي شهر ربيع الآخر من سنة (138هـ/ 755م) اقترب رسل بني أمية بمركبهم من شاطئ إفريقية ، وكان عبد الرحمن قائماً يصـلـي صـلاة المغرب وما كاد يلمح تحركاتهم حتى أسرع إليهم، ومن شدة شوق بدر مولاه، فإنه لـم يصـبر حتى يصل المركب للشاطئ وإنما قفز للماء زافاً البشرى لسيده  مخبرا إياه بأن موالي بنـي أمية ومعهم اليمنية ينتظرون وأنهم سوف ينصرونه .


كان عبد الرحمن بن معاوية مقيماً عند قبائل البربر في إفريقية، وحينمـا جـاءه رسـل الأمويين من الأندلس وهم بالرحيل اليها، جاءته القبائل البربرية تمنعه من الرحيل إلا إذا افتـدى نفسه منها، وهنا جاء دور موالي بني أمية إذ أعطوهم المال الذي جلبوه معهم من الأندلس لهـذا الغرض .


وركب عبد الرحمن بن معاوية وأتباعه البحر إلى الأندلس، وتابع الجميع رحيلهم صـوب الأندلس حتى نزلوا في موضع يقال له (المنكب)*  في الأيام الأوآخر من شهر ربيع الثـاني

من سنة (138هـ/ 755م) في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور . 


وكان نزوله في الأندلس يعتبر بداية لعصر الجديد من عصور التاريخ الأندلسي، تسميه المصادر والمراجـع بعصر الأمارة الأموية وذلك بحسب شكل الحكم المتبع هناك 


 ومنذ هذه اللحظة أيضـا تبـدأ المصادر الإسلامية بتسميته بعبد الرحمن الداخل لأنه كان أول من دخل الأندلس مـن أمـراء وملوك بني مروان .

.............


🚩  صقر قريش وتمثاله القائم على شاطئ أسبانيا حيث نزل


عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك الملقب بصقر قريش (توفي 788)، كان أحد الأمراء الأمويين المرشحين للخلافة في عاصمة الدولة الأموية في دمشق ..


جده الخليفة هشام بن عبد الملك عاشر الخلفاء الأمويين. هرب من العباسيين عند قيام دولتهم، إلى الأندلس حيث دخلها، وسمي بذلك عبد الرحمن الداخل، وأكمل فترة الخلافة الأموية هناك في الأندلس ، حكم بين عامي 756-788م.


نجح عبدالرحمن بن معاويه بن هشام الذي اختبأ في قريه منعزله قريبة من الفرات في سوريا ، وكان معه ابنه الطفل سليمان وكان عمره وقتها أربع سنوات، وأخ أصغر مع أختين.


وعندما اكتشفت الشرطة مكانهم هرب عبدالرحمن مع أخيه الوليد بن معاوية عبر بعض البساتين فلما تعقبتها الشرطة، حاولا عبور النهر فأغراهما الشرطة أن يرجعا ولهما الأمان فرجع أخوه وغرر به وقتله العباسيون، وكان عمرة ثلاث عشر سنة، بينما نجح عبدالرحمن بالوصول إلى الضفة الاخرى بسلام ولم تنطلِ عليه مكيدتهم ولحق به مولاه بدر طبقا لخطة سابقة.


بعد ان فر عبد الرحمن بن معاوية من الشام وصل إلى القيروان وعمره تسع عشرة سنة ، وهناك وجد ثورة كبيرة للخوارج في الشمال الأفريقي كلّه وعلى رأسها عبد الرحمن بن حبيب، وكان قد استقلّ بالشمال الإفريقي عن الدولة العباسية، وكان هناك الخوارج الخارجين عن الاسلام والدولة الأموية و العباسية من بعدها ..


 كان عبد الرحمن بن حبيب يسعى هو الآخر للقضاء على عبد الرحمن بن معاوية حين علم بأمره، فحين قدم عبد الرحمن بن معاوية إلى القيروان اجتمع عليه الخوارج وكادوا أن يقتلوه ، فسافر إلى برقة ومكث فيها أربع سنوات حتى سنة 136 هـ= 754 وكان قد بلغ من العمر ثلاث وعشرين سنة كوّن عبدالرحمن بن معاوية فيها الحلفاء والأنصار وانضم اليه الكثيرون.


أصبح لعبدالرحمن بن معاوية الكثير من الحلفاء ومحبي الأمويين وانضم اليه من الشام ومن الوجهاء والقادة ورجال الدولة من كل مكان، وكانت لفطنة وذكاء عبدالرحمن وخاصة أنه سليل الأسرة الأموية العريقة الفضل في هذا الحشد الكبير حوله، فكانت الأندلس بعد ذلك وجهته وإعادة الحكم للبيت الأموي ومجد الأمويين .


لقد ترسّخت هذه الشخصية التاريخية الفريدة في تاريخ الأندلس على إمتداد العصور والدهور، فمثلما نحتفي نحن بهذه الشخصية العربية الإسلامية التي لعبت دورا حاسما في إقامة أركان صرح الدّولة الإموية، وبناء الحضارة الإسلامية فى الأندلس،..


 كذلك يحتفي به الإسبان على إختلاف مشاربهم من دارسين، وباحثين، ومؤرخين، وساسة، وشعراء،ومفكرين ، وسينمائيين ،فها هو ذا تمثاله الشامخ يرتفع فى الأعالي، فى عنان الفضاء الواسع على ساحل مدينة المنكّب الإسبانية – حاليا يُطلق عليها الإسبان إسم ألمونييكر- ..


يبلغ طول هذا المجسّم تسعةَ أمتار، وقد رُفِعَ على أكمة فى نفس المكان الذي وطئ فيه عبد الرحمن الاوّل أديمَ هذه الجزيرة المحروسة سنة (138هـ/ 755 م) .


 لهذه الشخصية الفذة، لهذا الصقر القرشي الفريد بشبابه النضر، وبعد نظره الثاقب، وبحكمته البليغة وطموحه المبكر، حظوة كبيرة خاصة لدى الاسبان، كتابا ،وشعراء، ومسؤولين بل ومواطنين عاديين، ..


وقد صدرت بشأنه في إسبانيا عدة كتب ودراسات ، وعُقدت حوله الندوات واللقاءات في مناسبات شتى، هذه الشخصية التي استحوذت على قلوب الاسبان، توّج إعجابهم الجماعي بها بإنتاج فيلم سينمائي مطوّل كبير حول حياة هذا الأمير الأموي الهارب من بطش بني العبّاس . 


و ” المنكب”… التي نزل بها عبد الرحمن الداخل مدينة ذات إسم عربي فصيح، تسمى اليوم فى اللغة الإسبانية ” ألمونييكر” وهي ثغر جميل يقع على بعد 80 كلم من مدينتي مالقة و من غرناطة، 

.........


لم يكد عبد الرحمن بن معاوية يستريح في موضع المنكب حتى سار منها مباشرة إلـى طرش * إحدى قرى كورة البيرة.


 وفي طرش جاءته جماعة من الأمويين كانوا قد أعدوا

له ما يلزم من المأكل والملبس والمنزل وهناك أقام في منزل أحد زعماء بني أمية ويـدعى عبد الله بن خالد *وكان هناك أيضا عبيد الله بن عثمان ويوسف بن بخت* وغيرهما من زعماء بني أمية في الأندلس ، وتسامع الناس بخبر قدومه فبـدأوا بالقــدوم عليـه معلنــين تأييـده ومبايعته ..


وبدأ معسكره يتسع ويتعاظم بما انضم إليه من المؤيدين والأنصار ؛ وبـدأ أهـل الأندلس يتناقلون خبر قدومه .


كان والي الأندلس حينها يوسف الفهري ومعاونه الصميل بن حاتم قد وصلا إلى مدينـة سرقسطة، التي – كما ذكرنا – وكانت قد دخلها اليمنيون والقرشيون بعد انسحاب الصميل منهـا يقودهم عامر بن عمرو القرشي وابنه وهب والحباب بن رواحـة الزهـري  .


وبينما كان الصميل بن حاتم و يوسف الفهري ينتظر بفارغ الصبر قدوم موالي الأمويين وقادتهم على حسب ما تم الاتفاق معه لمساعدتهما فـي حربهما ضد اليمنية في منطقة سرقسطة ، ويوسف لا يعلم حتى الآن عن قصة ابن معاوية .

 

وقد استطاعا أن يدخلا مدينة سرقسـطة علـى الصـلح

والأمان، واستسلم عامر بن عمرو وابنه وهب والحبـاب، وظلـوا محتجزين عنـد الصـميل کرهائن  .


ويبدو أن يوسف الفهري والصميل كانا يخططان لقتل هؤلاء القادة، ولكن تدخل من قام بالشفاعة لهما من أهل قريش وهما سليمان بن شهاب والحصين بن الدجن إذ منعاهمـا مـن

تنفيذ ذلك .


 وفي هذه الأثناء نشبت ثورة في منطقة جليقية في شمال الأندلس .

--------------------------------------------------------------------

☆ الأندلس في عصر الولاة ص 150- ص161 ) رسالة الدكتوراة جامعة نابلس . إعداد أشرف يعقوب أحمد اشتيوي إشراف الدكتور هشام أبو رميلة .

☆ ومصادر أخرى عديدة نفصلها لاحقا ان شاء الله

 -------------------------------------------------------------------

تابعونا   #تاريخ_الأندلس_جواهر (24)

تعليقات