الرياضيات لم تكن يوماً عِلم أرقام، بل علم مجالات؛ تخيَّلْ أنك قبل الدخول للمعركة مع خصم عنيد مثل المسألة الرياضية، تحدد المجال وحدود المعركة، سيقول البعض إنه بتحديد الحدود لا مجال للمعركة، سأقول إن المتعة تتضاعف حين تلعب في مجال صغير بتقنيات اللانهاية. تخيل أنّ لك إمكانيات لا حصر لها ولك مجال صغير لاستعمال كل تلك الإمكانيات، هنا فقط تظهر براعة اللاعب، العاشق للعبة سيحاول ويفشل ولن يتردد في تكرار المحاولة، بتكرارها يثبت حبه أكثر ويقدم صبره وجهده قربانا للمسألة، حتى ترضى عنه وتقبل الفتوحات العظيمة.. في الرياضيات لا يمكن أن تقبل بالقليل، دائما تكون النهاية عظيمة كعظمة القيصر في بلاد الإغريق.
في الرياضيات لا ننام لنحلم بل ننام لنفكر، هذه خاصية يشترك فيها عشاق هذا الفن الذي يجهله الكثيرون، وأغلب المبرهنات خُطَّت وأصحابها غاصون في نوم عميق، حتى يستيقظون كأنهم أحسوا زلزالاً حرك كل شيء إلا فطنتهم، فيحملون أقرب ورقة وقلم الرصاص وتبدأ الاحتفالات، عند الانتهاء يعودون للنوم كأنهم كانوا في حرب دامت لأشهر.
متعة الرياضيات هي أن تستعمل أوراق زبدة، وتملأ كل جنباتها، نحن لسنا كشعراء، نتخلص من كل ورقة تؤرخ لفشل صاحبها في نظم السطور الأولى للقصيدة، في الرياضيات نتشبث بكل ورقة كانت شاهدة على الولادة حتى وإن كانت ولادة غير شرعية. الانكسارات والفشل في الرياضيات متعة أيضاً، فالعملية تبدأ في كشف أوراقها حين يعلم العاشق أنه أضلّ الطريق، وببديهته يهتدي لطريق أجمل، فيه نفحات رياضياتية وتشابك منطقي، ورموز تعلن الولاء لصاحبها، العاشق للرياضيات يولد في اليوم آلاف المرات، وفي كل ولادة تسمع صرخة الحياة، فينطلق في بحور اللانهاية إلى أن يغرق فيبعث من جديد.
تعليقات
إرسال تعليق